حكاية منسية ج1 ح26 و الأخيرة









الحلقة السادسة والعشرون والأخيرة:


بعد مرور أسبوع,بعيادة الطبيب النفسي:
الطبيب: ها طمنيني أخبارك إيه وأخبار العلاج معاكي؟
أسيل: الحقيقة مش عارفة.
الطبيب: هو إيه اللي مش عرفاه بالظبط ... العلاج لو معملش معاكي نتيجة يا نعدّل الجرعة يا نغير لحاجة أقوى.
أسيل: خالص ... بصراحة الضغوط اللي كانت عليا الأسبوع اللي فات حدّث ولا حرج الكابوس إياه ولا حاجة جنب اللي عشته وقتها.
الطبيب: إزاي؟؟

أسيل: مروان.
الطبيب: خطيبك؟ ... ماله؟
أسيل: ناس شيفاه بطريقة وناس تانية شيفاه بطريقة والطريقتين عكس بعض وأنا أحترت ومبقتش عارفة أصدق مين وأكدب مين ... حصل إغماء والكابوس بدل ما كان في منامي بقى في صحياني بس إن جيت للحق كانت مرة واحدة.
الطبيب: وبعدين؟
أسيل: أبتديت أسمع وأشوف حاجات أعتقد أنها من الماضي ... أغلبها مرتبط بأماكن.
الطبيب: هايل ... معنى كده إن فيه تحسن وإنك بتسترجعي ذاكرتك شوية بشوية.
أسيل: بس كل حاجة بشوفها أو بسمعها مشوشة ... عارف لما تكون بتتفرج على التليفزيون والصورة تكون مشوشة والصوت مشوشر.
الطبيب: طبيعي جدًا ... لا تكوني فاكرة إنك أول ما تفتكري كل حاجة هتكون واضحة قدامك وضوح الشمس ... الذاكرة زي الحقايق بتنكشف مع الوقت شوية بشوية ... المهم أخبار ضغوط الأسبوع اللي فات إيه لسة موجودة هي وتبعاتها؟؟
أسيل في تردد: لأ ... كل حاجة تقريبًا اتظبطت لما أبتديت أحسم أمور مكانتش محسومة وتعباني.
الطبيب: بس التردد اللي في صوتك مبيقولش إنها أتحسمت.
أسيل في عِناد: فين التردد ده؟ ... أنا مش مترددة ولا حاجة.
الطبيب: بتخدعي نفسك.
أسيل في إصرار مضطرب: بس أنا كده مرتاحة عمري ما كنت مرتاحة أد اليومين دول.
ثم تراجعت قائلة في ضيق وحزن: أقصد من ساعة ما رجعت للوعي مرتحتش أد اليومين دول ... الواحد المفروض يكون دقيق في ألفاظه ولا إيه؟
واستطردت متسائلة في محاولة مستميتة لإثبات صحة وجهة نظرها: وبعدين مش أنت اللي قولتلي معرضش نفسي لضغوط؟ ... تفتكر ده هيحصل إزاي من غير ما أحسم الصراعات اللي مالية حياتي؟
الطبيب في هدوء قاتل: زي؟؟
أسيل: علاقتي بعيلتي وبخطيبي.
الطبيب: غريبة ... المرة اللي فاتت مكونتيش معترفة بكلمة خطيبي دي وكنت لما بقولها قدامك وشك كان بيتغير المرة دي بتقوليها عادي كده ... بتحاولي تقوليها بتلقائية بس مش عارفة.
أسيل: لازم أقولها وأتعود عليها فعلاً مش خلاص هيكون خطيبي ... أنا وهو خطوبتنا بعد يومين بالظبط وطبعًا حضرتك معزوم.
الطبيب في دهشة: معقول بالسرعة دي قدرتي تعرفيه وتتأقلمي عليه وتاخدي القرار!!
أسيل: مروان شاب كويس وبيحبني وبيخاف عليا وأهلي كمان موافقين عليه وبعدين عادي كأنه شخص أتقدملي بشكل تقليدي وحصل ما بينا قبول وهتعرف عليه أكتر في فترة الخطوبة.
الطبيب: مقتنعة بالكلام اللي بتقوليه ده؟؟

أسيل في ملامح جامدة: أيوة
الطبيب: مش باين ... أنتي بتحاولي تقنعي اللي حواليكي أكتر ما بتحاولي تقنعي نفسك ... لاحظتي مثلاً إن ملامحك مش ملامح واحدة المفروض تكون مبسوطة بخطوبتها اللي بعد يومين ولا إنك لما عددتي أسباب ارتباطك بمروان أتكلمتي عنه وعن أهلك وبس ... أنتي فين من ده كله؟؟
أسيل: أنا واثقة في مروان وواثقة إنه هيقدر يحببني فيه وكمان أحنا داخلين سوا على شغل بتأهل له دلوقتي وهو جنبي وحاسة إن دي خطوة هتقربنا من بعض أكتر.
الطبيب: ماشي ... بس لو عايزة نصيحتي حسم الصراعات في حياتنا مينفعش يكون على حساب حياتنا نفسها عمرك ما هتقدري ترتاحي بالأسلوب ده.
وكما رافقها في المرة الماضية كان هو مرافقها هذه المرة، وكانت هي بعنادها تسعى لهزيمة تردد لم يتركها ليُزيده عليها الطبيب بكلامه ... كانا يسيران جنبًا إلى جنب بيدين مُتشابكتين ليقفا بأول الطريق لاصطياد سيارة أجرة تقودها إلى منزلها ثم إلى منزله هو بالتبعية فنظرت إليه قائلة: مروان معلش ممكن منركبش تاكسي ... أنا حابة أتمشى.
مروان: بس أحنا كده بالميت هنوصل ع الصبح وساعتها بباكي هيطخك ويطخني.
أسيل مبتسمة: قول إنك أنت اللي زهقت مني.
مروان: أنا؟؟؟
ثم يُقبّل يدها قائلاً: أنا هاين عليا أخدك ونعيش في الصحرا أساسًا عشان مفيش بني آدم يستجري يبصلك بطرف عينه حتى.
أسيل تستفزه قائلة: وخصوصًا لو كان اسمه ثروت.
مروان في غضب: استغفر الله العظيم يا رب غاوية تستفزيني وتعصبيني أنتي غاوية ... ملقتيش حاجة تتكلمي فيها غير السيرة الهباب دي ما كنا ماشيين حلو.
أسيل تضحك قائلة: بصراحة بحب شكلك وأنت متعصب.
مروان: والله لو ده هيخليكي تحبيني أد ما بحبك يبقى نتعصب ليه لأ مفيش مشكلة.
وبمنزل الأهل، أُقيم حفل خطبة عائلي بسيط، وبقدر ما كانت علامات الفرح والبهجة مُرتسمة على ملامح العروسين وأسرتيهما بقدر ما شابت فرحة أسرة أسيل مشاعر أخرى فمن تردد وقلق وخوف أسيل نفسها اللذيّن حاولت تجاوزهما بخفة دم ومزاح من لحظة لأخرى لقلق والدها ألا يكون اختيارها أو بمعنى أدق اختيارهم هم موفق تدفع ثمنه من عمرها، وبقدر ما كان العم سعيد بخطبة ابنة أخيه الوحيد دون أن يحمل بقلبه ضغينة تجاهها أو تجاه أبيها بسبب مشاعر ابنه الأحادية فهو ناضج بما يكفي ليُدرك أن أمرًا كهذا ليس بيدها ولا بيده، كان الابن نفسه يخفي خلف وجهه الواجم الذي لا يناسب المناخ المحيط مشاعر مُتناقضة ما بين الضغينة والحقد للعريس والغيرة والخوف والعشق للعروس، ولم يكن يشعر بالحرب الدائرة داخله سوى أمه التي بقدر سعادتها بخلاصها من أسيل التي كانت دومًا لا تراها مُناسبة له أو تستحقه وهاهي تخرج بشكل شبه نهائي من حياتها وحياته كانت تعيسة قلقة على ابنها وعلى ما يمكن أن يؤول إليه حال من أحب من لا يستحق ولم يطله وإصرارها يزداد يومًا بعد الآخر على أن تكون هدير نصيبًا له لذا لم تعط فرحتها لأحد حينما أعلمتها الفتاة بموافقتها على عرضها بأن تعمل كمستشارة قانونية لديها وأن تُباشر أعمالها اليومية من داخل قصر النقراشي وتسكن بمُلحقه أيضًا ... كان عرضًا بالنسبة لفتاة في مثل سنها وخبرتها غريب ولكنه كان مُغريًا ليس في المُقابل المادي فقط ولكن في شرط الإقامة الذي سيُخلّصها من مشاكلها اليومية التي لا تنتهي مع أخيها وزوجته.
د.يوسف يُبارك لأخت العروس التي تقف بجوارها قائلاً في خجل: ألف مبروك ... عقبالك.
أسيل تكتم الضحك بأعجوبة قبل أن تقول في جدية مُصطنعة: على فكرة يا دكتور أنا اللي بتجوز مش هي ولو إن شكلها نوياها هي كمان ويمكن تسبقني ... ما تقرصيني في ركبتي يختي خلينا نخلص منك أنتي كمان بقى.
مريم تقرصها من ذراعها من الخلف في غل لتُسكتها فصاحت: دي مش ركبتي ... نشني عدل.
مروان: اهدي شوية فضحتينا.
يوسف يضحك قائلاً: ألف مبروك يا جماعة ربنا يتمم لكم بخير ونفرح بيكم الفرحة الكبيرة عن قريب ... ربنا يسعدكم.
أسيل تنظر لأختها بطرف عينها ثم تنظر ليوسف قائلة: الله يبارك فيك يا دكتور وعقبالك أنت كمان كده لما تنوي.
فانصرف يوسف في خجل فلكمتها في ظهرها قائلة: أنا هوريكي بس أصبري عليا.
أسيل: هو كده اللي يقول الحق في البلد دي بيوروه.
مروان ضاحكًا: أسيل أنتي شاربة إيه النهاردة؟؟... بالله عليكي يا شيخة الدماغ دي دماغ إيه؟؟
أسيل: دماغي ... أعمل إيه الاتنين ميالين لبعض ودي حاجة تبان للأعمى وهو مقضيها كسوف وهي مقضياها مراوغة ولو سبناهم كده من غير زق مش قبل سن الستين وعليك خير ... أهي الهبلة اختفت تلاقيها راحت تعتذر له ويتكسفولهم حبتين.
مروان: خلاص سيبيلي أنتي يوسف ومش بعيد الفرحين يبقوا في ليلة واحدة.
وفجأة أنقلب الضحك والمزاح لملامح مضطربة أو غاضبة حينما أقبل ثروت كغيره لمباركة العروسين.
ثروت يمد يده لأسيل مُباركًا إياها في نبرة حزينة مُرتعشة: مبروك
أسيل في ارتباك: الله يبارك فيك
مروان يلاحظ المُصافحة التي طالت ومثلها النظرات وارتباك أسيل فقال في غضب: ما قولنا الله يبارك فيك.
ثروت يترك يدها وهو يتنحنح في ضيق ثم يتوجه لمروان الذي وقف له ليُصافحه ويُقبّله مُباركًا أو بمعنى أدق مُستفزًا إياه بقوله: أوعى تفتكر إنها خلصت على كده ... اللعب على حق لسة مبتداش.
مروان يضغط على يده بقوة في غضب ٍ وغيظ ٍ شديد ليكاد يعصرها فيسحبها الآخر من يده في ألم.

"من يعتقدون أن الكذب الأبيض لا ضرر منه يصابون قريبا بعمى الألوان"

أوستن أومالي – بروفيسور الأدب الانجليزي وعالم بصريات أمريكي وكاتب

انتظرونا قريبا في الجزء الثاني
حكاية منسية


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكاية منسية ج1 ح23

حكاية منسية ج1 ح25